الأحد، 17 مايو 2015

أهرامات الجيزة.. معجزات في البناء والتخطيط والإدارة

الإدارة في مفهومها البسيط هي.. إنجاز الأهداف من خلال القيام بالوظائف الإدارية الخمسة الأساسية، (التخطيط، التنظيم، التنسيق، التوجيه، الرقابة).
وكنا قد تحدثنا في مقال سابق عن أصول نشأة فكرة الإدارة فى مصر قبل الفرعونية ، وفى هذا المقال نستكمل حديثنا عن تاريخ وأصول الإدارة فى مصر القديمة، فتدل جميع الشواهد على أن مصر عرفت أصول الإدارة منذ مئات السنين قبل الميلاد، ونجد في أهرامات الجيزة خير دليل علي ذلك.

أهرامات الجيزة الثلاثة

2
بُنيت أهرامات الجيزة الثلاثة أو أهرامات مصر القديمة بهضبة الجيزة على الضفة الغربية لنهر النيل قبل حوالي 25 قرناً قبل الميلاد بين 2480 – 2550 ق.م، لتعد مثالاً رائعاً وواضحاً لكيفية التعاون بين مجموعات مختلفة من البشر لتحقيق هدف محدد، وهو إكتمال عملية البناء علي هذا النحو المبهر والخالد علي مر العصور.
حيث ظهرت فكرة بناء الأهرامات في البداية اعتقاداً من قدماء المصريين بالحياة الأبدية، وأن الروح سوف تعود إلي صاحبها مرة آخري بعد زمن معين، لذلك قاموا بتشييد هذا العمل الرائع، حتي يدفن فيه الملوك من الأسر المختلفة – خوفو، خفرع، منقرع –
وقاموا بوضع كل مايحتاج إليه المتوفي من ملابس وحلي وأواني … إلخ، لكي يستخدمها الشخص المتوفي حينما تعود الروح إليه مرة أخري، ويلاحظ أن عملية التفكير في بناء الأهرامات، وتحديد الهدف من عملية البناء، والفترة الزمنية التي تستغرقها عملية البناء تمثل في أبسط صورها وظيفة “التخطيط”، والتي تعتبر أولي العناصر الإدارية اللازمة لأداء مختلف الأعمال.

فكرة الإدارة

مما لا شك فيه أن عملية البناء تتطلب الأستعانة بمجهودات مجموعات مختلفة من عمال البناء بما يمثل الموارد البشرية، بالإضافة إلي العديد من الأدوات والمعدات والأرض والأموال … إلخ..
بما يمثل الموارد المادية، وإن تدبير تلك الموارد المادية والبشرية اللازمة لأداء العمل، وتحديد الأختصاصات المختلفة لكل فرد يشترك في عملية البناء، مع وضوح أشكال التفاعل التي تتم من أجل تحقيق الهدف المحدد في إكتمال عملية بناء الأهرامات، يمثل في أبسط صورة وظيفة “التنظيم”، والتي تعتبر العنصر الثاني من عناصر الإدارة.
 ومع وجود مجموعات مختلفة من البشر تقوم بعملية البناء، وأختلاف هؤلاء الأفراد فيما بينهم من حيث القدرات، والمهارات، والكفاءات، والخبرات … إلخ، فإن الأمر يتطلب إرشاد وتوجيه هؤلاء الأفراد إلي أفضل الطرق لأداء العمل بالشكل الذي يحقق الهدف، ويساعد علي إكتمال البناء علي هذا النحو الرائع والخالد علي مر العصور، وأيضاً مع تعدد العمليات والأعمال التي يقوم بها المجموعات المختلفة من العاملين.
يتطلب الأمر تنسيق المجهودات، وتحقيق الإنسجام والتعاون بين الأفراد، حتي نضمن تنفيذ جميع الأنشطة بكفاءة وأقتدار تام، وأيضاً قيام المسئولين عن تنفيذ عملية بناء الأهرامات بإزالة أية تعارض ينشأ بين مجموعات العمل المختلفة لتحقيق التعاون والإنسجام بينهم، وبهذا فإن هذه الإرشادات التي توجه إلي العاملين لإنجاز العمل، والتنسيق المحكم بينهم يمثل في أبسط صوره العنصر الثالث من عناصر الإدارة وهو وظيفة “التوجيه”.
ومع تعدد العمليات والأعمال التى يقوم بها المجموعات المختلفة من العاملين، يتطلب الأمر تنسيق المجهودات، وتحقيق الإنسجام والتعاون بين الأفراد؛ حتى نضمن تنفيذ جميع الأنشطة بكفاءة واقتدار تام، وأيضاً قيام المسئولين عن تنفيذ عملية بناء الأهرام بإزالة أية تعارض ينشأ بين مجموعات العمل المختلفة؛ لتحقيق التعاون والإنسجام بينهم يمثل في أبسط صوره العنصر الرابع من عناصر الإدارة وهو وظيفة “التنسيق”.
وحتي يتأكد المسئولون عن عملية بناء الأهرامات من دقة تنفيذ الأعمال المختلفة، وأنها تتفق تماماً مع الأهداف السابق تحديدها، يقومون بمراقبة أداء العاملين، ومتابعة أنشطتهم اليومية للتأكد من أنها تحقق في النهاية الهدف، وهو إكتمال عملية البناء وفقاً للخطة، أو الأهداف المحددة مسبقاً..
وفي حدود الجدول الزمني والتكاليف المقررة، وهذه العملية تمثل في أبسط صورها العنصر الخامس من عناصر الإدارة، وهو “الرقابة”، والتي تستهدف التحقق من أن التنفيذ وفقاً للخطة المحددة مسبقاً.
 
وهنا نستطيع أن نلاحظ أن عناصر الإدارة المختلفة (تخطيط، تنظيم، توجيه، تنسيق، رقابة) تمارس منذ القدم في مصر، وأنها ساعدت فى بناء حضارة مصر القديمة.
ولنأخذ بناء الهرم الأكبر للفرعون “خوفو” كدلاله واضحة علي التقدم الملفت للنظر في ممارسة الإدارة في العصر الفرعوني، فقد استلزم تشييد هذا الصرح العظيم، والذى يعد أكثر آثار العالم إثارة للجدل والخيال.
الوحيد من عجائب الدنيا السبع القديمة، الذي ما زال شامخاً حتي يومنا هذا، 2.3 مليون قطعة من الحجر، تزن كل منها في المتوسط حوالي 2.5 طن، والفرق في الحجم بين الأحجار لا يتعدي بضعة مليمرات، ويكفي عددها لبناء سور أرتفاعه 3 أمتار حول دولة بمثابة فرنسا، ويقدر العلماء إن عملية بناء هذا الهرم قد أستغلت جهد ما يقرب من مائة ألف رجل، وهو تقدير غالبية علماء الآثار، وأن كان البعض منهم يقدر العدد بين عشرين وثلاثين ألف فقط، وأستغرقت عشرين عاماً.
1
هرم خوفو الأكبر
 أي أن هذه العملية في ضوء معايير العصر توازي إدارة وتوجيه مدينة قوامها مائة ألف نسمة، خلال مدة تزيد عن عشرين عاماً، وكان لا يمكن لبناة هذا الهرم من الوصول إلي هذه النتيجة المذهلة المتمثلة في هذه التحفة المعمارية الفريدة، التي أذهلت ما زالت تذهل وستذهل عشرات بل مئات الملايين من الزوار الذين شاهدونها والذين سيشاهدونها في المستقبل..
دون أن يكون لهم حصيلة كبيرة من العلم والخبرة بمبادىء وأسس التخطيط والتنظيم والرقابة وإتخاذ القرارت، وفن التعامل مع الآخرين وتحفيزهم للعمل، وقيادتهم، والأتصال بهم، وأخيراً وفوق كل ذلك التنسيق الفعال بين جهودهم، والتي تمثل مهمة إدارية مترامية الأبعاد متناهية الضخامة، هذا ولا يزال النظام المعماري الهندسي المستخدم في بناء هذا الهرم، يمثل لغزاً كبيراً للمعماريين حتي يومنا هذا، وتتعدد النظريات التي تحاول تفسير وتشريح كيف تم بناءه، ولا يوجد إتفاق بين العلماء في هذا الشأن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق